لكن يبدو أن نجاد لم يعد يعبأ كثيراً بهذا الغزل وهو يسير على خطى ثابتة في مشروعه الثوري المرتكز على نظرية اقتراب ظهور ''المهدي الموعود'' التي تعارض نظرية خامنئي المستبعدة لهذا الأمر. أحمدي نجاد الذي يدين لخامنئي بوصوله إلى رئاسة الجمهورية (في الدورة الثانية على الأقل) أخذ في السنوات الأخيرة من دورة رئاسته الأولى يظهر تقربه من فرقة ''الحجتية''، بل أصبح من أقرب المقربين لقادة هذه الفرقة وعلى رأسهم آية الله مصباح يزيدي الذي يوصف بالأب الروحي لأحمدي نجاد، لكن تقارب نجاد من فرقة ''الحجتية'' لم يثير آنذاك هاجس خامنئي، حيث كانت ''الحجتية'' تظهر ولائها له وتعمل على مساندته في مواجهة الإصلاحيين وعلى رأسهم الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي استطاعت ''الحجتية'' عزله عن منصب رئاسة مجلس خبراء القيادة الذي كان يشغله، والذي كان مصدر قوة بالنسبة للإصلاحيين لما يشكله هذا المنصب من ضغط على خامنئي باعتبار أن مجلس خبراء القيادة هو المؤسسة الوحيدة المكلفة مراقبة أعمال المرشد وتثبيته أو عزله من مقامه. بعد إعلان خامنئي فوز أحمدي نجاد في الدورة الرئاسية الثانية (2009)، والتي شابها الكثير من التزوير والتلاعب وتسببت في اندلاع انتفاضة شعبية عارمة ضدها؛ اهتزت كثيراً صورة خامنئي في أوساط الحوزة الدينية، ناهيك عن أنظار الشارع الإيراني عامة، لهذا أخذ مستشاريه يمارسون عليه ضغوطاً لحمله على إعادة الانتخابات مما تسبب في تخوف فرقة ''الحجتية'' التي رأت في إعادة الانتخابات خسارة مؤكدة لأحمدي نجاد، لذلك عمدت في نوفمبر العام الماضي إلى تنظيم زيارة لخامنئي لمدينة قم وصفتها السلطات الإيرانية حينها بالتاريخية، وقد عد كثير من المحللين الاستعراض الجماهيري الذي قامت به فرقة ''الحجتية'' لاستقبال خامنئي خلال تلك الزيارة بأنها كانت رسالة مبطنة من قبلهم. وعلى الرغم مما حظي به خامنئي من استقبال جماهيري في تلك الزيارة؛ إلا أنه واجه عدم رضا كبير من أغلب مراجع حوزة قم، مما دفعه عقب تلك الزيارة إلى القيام بعدة زيارة متتالية إلى المدينة، لكنها غير رسمية، اجتمع خلالها بمراجع الحوزة الذين أبدوا امتعاضهم لتقربه من ''الحجتية'' محذرين إياه من الأهداف الخفية من وراء تنظيم الاستعراض الجماهيري الذي قامت به ''الحجتية''، وقد دفعت تلك اللقاءات بخامنئي إلى أعادت النظر في علاقاته مع ''الحجتية'' ومع الرئيس أحمدي نجاد الذي بات يمثل ذراع ''الحجتية'' القوي في السلطة. لقد ركزت ''الحجتية'' من خلال حاشية أحمدي نجاد في السلطة على الخطاب القومي المخالف للخطاب الرسمي للنظام إلى الحد الذي دفع برئيس مكتب أحمدي نجاد رحيم مشائي، وهو أحد أعضاء ''الحجتية'' إلى أطلاق شعار ''أرينة الإسلام'' بدل من الشعار السابق الذي كان يرفعه النظام وهو ''أسلمت إيران''، وكان في هذا الشعار دافعاً قوياً لقرع جرس الإنذار من قبل جناح خامنئي الذي رأي فيه إعلاناً رسمياً لبدء زحف فرقة ''الحجتية'' للإمساك بمقاليد السلطة كاملة عن طريق نجاد وأعوانه الذين أخذوا يهيئون الساحة لهذا الأمر من خلال نشرهم الواسع لنظرية ''قرب الظهور'' عبر وسائل متعددة منها أفلام مصورة ومقالات وبيانات وخطابات وتجمعات سياسية وثقافية واقتصادية، وهذا يعني إضعاف مكانة خامنئي وإنهاء دوره لاحقاً، ويتهم أنصار خامنئي الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي أحد أبرز الشخصيات الدينية في حوزة قم، وأحد قادة فرقة ''الحجتية'' وصاحب الرأي القائل '' إن طاعة رئيس الجمهورية واجبة كطاعة الإمام المهدي'' بالوقوف وراء المخطط الهادف إلى إزاحة المرشد. لقد ظهرت المعركة بين الرئيس نجاد والمرشد خامنئي واضحة في مايو الماضي عندما أصر الأول على طرد وزير الاستخبارات حيدر مصلحي وعارضه خامنئي، ومنذ ذلك الوقت والمعركة تتصاعد ضراوة يوماً بعد يوم، وسوف تزداد اشتعالاً عشية الانتخابات البرلمانية المقررة في مارس العام القادم، والتي يسعى كل جناح أن يحسم الأغلبية لصالحه لإزاحة الطرف الآخر والإمساك بمقاليد السلطة منفرداً. إن فتح ملف قضايا الفساد من قبل السلطة القضائية الموالية لخامنئي والتي أدت إلى الآن لاعتقال العشرات من المقربين لنجاد بتهمة التورط في هذه القضايا؛ تهدف حسب رأي المحللين السياسيين إلى تكذيب المقولات السابقة للرئيس نجاد وقادة الفرقة ''الحجتية'' الذين زعموا حينها أن الإمام المهدي المنتظر أشرف بنفسه على تشكيل حكومة نجاد التي باتت تعد من أفسد الحكومات التي مرت في تاريخ إيران ما بعد الثورة الخمينية، وبذات الوقت تهدف إلى تمهيد الأرضية لإسقاط حكومة نجاد قبل موعد الانتخابات البرلمانية القادمة. على ضوء هذا الصراع يبقى التساؤل قائما حول من سوف يسبق في إسقاط الآخر.. المرشد أم الرئيس المتمرد؟.
المصدر:
صحيفة الوطن