طباعة هذه الصفحة

من يملك سلطة وصلاحية التكفير؟..العلامة السيد محمد علي الحسيني

شباط/فبراير 21, 2015 7626
قيم الموضوع
(1 تصويت)

من يملك سلطة وصلاحية التكفير؟..العلامة السيد محمد علي الحسيني

 

 

 

منذ أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس نظام ولاية الفقيه, ومنطقة الشرق الاوسط تجتاحها حمى تطرف من طراز خاص لم يكن مألوفا ومعروفا من قبل, هذه الحمى التي غطت بصورة أو بأخرى معظم دول المنطقة بل وصلت شراراتها الى اوروبا وأقصى البلدان الغربية, تسعى, وللأسف البالغ إلى تحجيم واختصار عظمة الاسلام وأبعاده الانسانية الاستثنائية في ممارسات وحشية وهمجية تؤسس للعنف والقسوة والكراهية والدمار. وسائل إعلام نظام ولاية الفقيه الموالية او السائرة على دربها في العديد من بلدان المنطقة والعالم, تسعى إلى الايحاء دائما إلى ان تأسيس نظام ولاية الفقيه كان بمثابة عهد جديد ومايصطلحون على تسميته ب¯ “الصحوة الاسلامية”, وان عصر مابعد مجئ هذا النظام قد كان عصرا “تنويريا” لصالح شعوب المنطقة والعالم, لكن إجراء مقارنة بسيطة بين عصر ماقبل تأسيس هذا النظام ومابعده(حتى في إيران نفسها), ليس هناك من بإمكانه القول ان عصر مابعد نظام ولاية الفقيه هو الافضل, بل هو الاسوأ والاسوأ بكثير. ثقافة القتل والعنف والتطرف المقترنة بمختلف الممارسات الارهابية والاجرامية التي تشمئز منها النفس الانسانية وتأباها, هذه الثقافة التي تؤسس لنهج الاقصاء ورفض الآخر وللقضاء على مبدأ التعايش السلمي الذي كان يسود المنطقة طوال العصور الاسلامية المختلفة, والسعي إلى الالتفاف على الفسيفساء الاجتماعية الجميلة في بلدان العالمين العربي والاسلامي من خلال فكر ديني متطرف يسعون إلى الصاقه بالاسلام ظلما وعدوانا, من حقنا أن نقول عنها ثقافة مشبوهة بكل المقاييس والمعايير المعروفة. نهج وسياق التطرف والغلو الذي يحمل نظام ولاية الفقيه لواءه, يتجسد دائماً في الكثير من الممارسات والقضايا والامور الصادرة عنه, ما جاء على لسان نائب ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري, حاجي صادقيان أن”التمرد على اوامر الولي الفقيه يساوي الشرك بالله”, واضافته ان”عدم الاكتراث بتعليمات ولي الفقيه يساوي أيضا التمرد على أوامر امام الزمان(المهدي المنتظر)”, هذا الكلام يمثل التطرف والغلو في اسوأ صوره وأنواعه, ذلك أن إيصال الامور الى قضية الشرك بالله سبحانه وتعالى والربط بينها وبين إطاعة مزعومة للولي الفقيه يمثل في حد ذاته ذروة الغلو والتطرف. الانكى من ذلك, أن هناك الكثير من الموالين للولي الفقيه, يرون ان خامنئي لهذا المنصب بعد وفاة مؤسس النظام الخميني, هذه العملية السريعة والارتجالية التي قادها حليفه, وقتئذ, هاشمي رفسنجاني وجرى اختياره للمنصب رغم انه لم يكن مجتهدا, حينئذ, ولم تكن لديه رسالة, فاي إرادة إلهية تكمن في عملية الاختيار هذه? بل ومامعنى هكذا كلام فيه الكثير من الغلو والتطرف والمبالغة غير التجني على الاسلام ومبادئه وقيمه السمحة? التهويل والتضخيم من شأن الفتاوي الصادرة عن الولي الفقيه وإعتبار عدم إطاعتها او تنفيذها في مصاف الشرك بالله, يقود بالضرورة للتساؤل وماذا لو أخطأ الولي الفقيه او لم يلتزم بالنهج والمبدأ والفتوى التي أصدرها للعامة? هذا السؤال نطرحه ونحن نستذكر التأكيد منذ أكثر من ثلاثة عقود ان الولايات المتحدة الاميركية هي الشيطان الاكبر, ولايجوز التعامل والتعاون معها, بل وحتى اننا نذكر بما أكده الخميني انه سيقطع اليد التي تمتد من إيران لمصافحة أميركا, لكن الالتفات الى معلومات مختلفة وردت بشأن تبادل رسائل سرية بين خامنئي والرئيس الاميركي باراك اوباما وحتى ذكر ديبلوماسي إيراني ان رسالة خامنئي لأوباما”إتسمت بالاحترام”, وهنا نقول; هل يجوز لأي مواطن إيراني أو أي مؤيد وموالي لنظرية ولاية الفقيه أن يعترض على مضمون هذه الرسالة وماورد فيها او غيرها او حتى تلك التي قد تليها? هل يحق لأي مواطن إيراني وأولئك المؤيدين لمفهوم ومبدأ ولاية الفقيه في لبنان وغيره أن يسألوا عن حق المرجعية التي يمثلها خامنئي في أن يجيز التعاون مع الشيطان الاكبر, وهل من امكن أن يدخل الايمان الى قلب الشيطان وروحه وسلوكه كي يجيز او يطلب المرشد الاعلى التعاون معه رغم الوصف السابق أم انها كانت مجرد مواقف سياسية تمت تغطيتها بفتاوي دينية حتى لايتجرأ أحد على الاعتراض عليها? نرى في نقل او تحويل مبدأ او مفهوم المواطنة من الالتزام بمصالح الوطن العليا واحترام القوانين والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية وغيرها من النشاطات الاجتماعية والاعلامية وغيرها الى مجرد الالتزام بالفتوى الصادرة عن المرجعية الدينية, يمثل أمرا خطيرا, لأن هذا سيقود بالضرورة الى جعل البلد أي بلد في حالة صراع ديني لعقود مقبلة حيث ينقسم ويتفتت المجتمع فيها بين مؤمن وكافر, وبطبيعة الحال ليست هناك إمكانية للتفاهم والتوافق بين الايمان والكفر! وما يفضح بل يكشف حجم وخطورة هذا النهج والسلوك والرؤية هو موقف وفتوى المرجعية السيستاني التي جاءت على اثر الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية المذهبية بحق المواطنين العراقيين والتي تحظى برعاية دولية ورسمية عراقية (قال ممثل المرجعية الدينية في كربلاء احمد الصافي, خلال خطبة الجمعة, إن المرجعية تهتم كثيرا بمصالح البلاد, لاسيما وأننا اليوم نواجه هجمات شرسة من قبل الإرهاب, وانتقد استمرار تأخر صرف رواتب متطوعي الحشد الشعبي ومستحقات الجرحى والشهداء منهم. وأضاف أن لولا جهود متطوعي الحشد الشعبي الذين شاركوا إلى جانب الجيش في قتال داعش لكان وضع البلد غير ما هو عليه الآن, ولفت إلى أنه لا عذر لأي أحد في الدولة لعدم الاهتمام بهؤلاء المقاتلين).وبرعاية إيرانية بشكل خاص عندما تتم الاشارة إلى ان العمليات العسكرية في العراق وسورية وحتى في لبنان يقودها الجنرال الإيراني قاسم سليماني… وذلك عندما قال السيستاني في فتواه التي جاءت في بيان صدر عن مكتبه: ليعلم المقاتلون الأعزة أن الله سبحانه وتعالى كما ندب الى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامة من دعائم الدين وفضل المجاهدين على القاعدين, فإنه عز اسمه جعل له حدودا وآدابا أوجبتها الحكمة. وأضاف: فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة, وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها, فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم, فقدموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدي إلى الهلاك. وزاد: الله الله في حرمات عامة الناس ممن لم يقاتلوكم, لاسيما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء ولو كانوا من ذوي المقاتلين ضدكم, فإنه لا تحل حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم. وأشار البيان مخاطبا “المجاهدين”: “إياكم والتسرع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة, فإن أكثر ما يراهن عليه عدوكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير ترو واندفاعكم من غير تحوط ومهنية”. ولفت إلى أن “على الجميع أن يتركوا العصبيات الذميمة ويتمسكوا بمكارم الأخلاق, فلا تغلبنكم الأفكار الضيقة والأنانيات الشخصية, وقد علمتم ما حل بكم وبعامة المسلمين في سائر بلادهم. إلى ذلك, حذر السيستاني من التعرض لغير المسلمين وقال: فإنهم في كنف المسلمين وأمانهم, فمن تعرض لحرماتهم كان خائنا غادرا, وإن الخيانة والغدر لهي أقبح الأفعال في قضاء الفطرة ودين الله سبحانه”. وأضاف: الله الله في أموال الناس, فإنه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره إلا بطيب نفسه, فمن استولى على مال غيره غصبا فإنما حاز قطعة من قطع النيران. وقال: اعلموا أن أكثر من يقاتلكم إنما وقع في الشبهة بتضليل آخرين, فلا تعينوا هؤلاء المضلين بما يوجب قوة الشبهة في أذهان الناس حتى ينقلبوا أنصارا لهم, بل ادرؤوها بحسن تصرفكم ونصحكم وأخذكم بالعدل والصفح في موضعه. وجاء بيان السيستاني بعد سلسلة حوادث قتل وحرق في مناطق تم تحريرها من تنظيم داعش في ديالى وصلاح الدين والأنبار, أبرزها حادثة مقتل العشرات من الأشخاص في منطقة “بروانة” في ديالى الشهر الماضي, كما قتل شخصان في الأنبار على يد عنصر في “الحشد الشعبي”, وفق مجلس المحافظة. أي مستقبل تبنيه إيران ومن يتبعها وأي مخطط ترسمه لهذه المنطقة من لبنان إلى سورية والعراق والبحرين وغيرها? واي ثقافة تزرعها وتروج لها هذه المجموعات الدينية التي تنشر بسلاحها وفتاويهاو تعيث في الارض فسادا وتستدرج بالضرورة وكتحصيل حاصل تطرفا مقابلا يزيد حدة الصراع والانقسام? فإذا كان من يعترض على مواقف وقرارات وفتاوى المرجعية بحسب الفتوى الصادرة التي اوردناها هو مشرك اي مرتد … والقصاص هو القتل, فكيف الحال بمن هو لا يؤمن بهذه المرجعيات مطلقا, وما هو مصير هؤلاء, وعددهم يتجاوز 6 مليارات انسان…يعيشون على هذا الكوكب, سوى مصير مماثل لما نراه من عمليات قتل تمارس في سورية والعراق واليمن .. من قبل الميليشيات التابعة لإيران… وهي بالتأكيد مبررة بالنسبة لهم, بل هي واجبة وشرعية يجب تنفيذها والقيام بها,, وفتوى السيستاني لا شك قد جاءت بعد ان تمادى هؤلاء في ممارستها او انه قد خرجت اخبارها للعلن بشكل فاضح فلا بد من لملمتها والحد من ضررها… ولكنها وقعت في حقيقة الأمر بفعل فتوى وليس قرار سياسي, وهنا من حقنا ان نسأل من هو التكفيري ومن يملك سلطة وصلاحية التكفير, ومن يملك صلاحية رسم حدود العلاقة بين من يؤمن بفتاوى هذه المرجعيات بمن لا يؤمن بها?

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

المصدر

 

السياسة

 

آخر تعديل في السبت, 21 شباط/فبراير 2015 11:02