كحيلات من الأحواز في انتفاضة نيسان 2005

نيسان/أبريل 21, 2025 114

بمناسبة الذكرى المئوية لاحتلال الأحواز كان لابد من الحديث عن اعمال بطولية لنسوة من الأحواز كانت جريئة وشجاعة تفوق الرجال تاثيراً إنما اخترن او شاءت الأقدار أن يبقين مجهولات الأسماء .

في البدء
سنذكر اليوم تلك الانسانة الطبيبة التي كان لها باع طويل في النضال النسائي الأحوازي فيشهد لها الرفاق وغيرهم الكثير ممن عرفها منذ ريعان شبابها حيث استمرّت بمسيرتها ايماناً بقضية وطنها السياسية إلى نهاية حياتها المليئة بالمواقف المشرفة التي تنبع من احساس وطني بحت ، فبعد ما اختارت مهنة اخصائية الولادة ، كانت عيادتها من ضمن منزلها السكني الذي يقع في القرب من حي الثورة في مدينة الأحواز ، حدثتني ذات يوم و بعد مرور فترة عن احداث انتفاضة 2005 و عن تلك الليلة فقالت :
"كنت أرافق آخر الوليدات عند عتبة باب العيادة لتذهب بعد ما انجبت طفلها، فيما كنت أعينها مع زوجها على ركوب السيارة وبعد مغادرتهم لفتت انتباهي أصوات مجموعة من الشباب آتية من الجهة الأخرى للشارع ،فانتبهت أنهم يسيرون بسرعة وبشكل غير طبيعي وكأنهم يتخفون من انظار المارّة او هناك من يطاردهم ، كانوا يتحدثون باصوات منخفضة فلم اسمع منهم شيئا واضحا إلى ان اقتربوا مني فعرفت بأنهم مطاردون من قبل عناصر النظام فدعيتهم فورا إلى الدخول إلى العيادة
وحين مرورهم ساحة المنزل (الحوش ) رأيت ان هنالك دماء سالت على الأرض فهذا يعني ان بينهم مصابون سالتهم ماذا حدث ، اجاب احدهم : خوية بعد انتي عربية من عدنه وتعرفين السالفة ، احنه اليوم كنا بالمظاهرة وتصوبنا و هسه يدورون علينا ، بعد بالزور وصلنا بيتكم ( يبدو أنهم كانوا قد سمعوا عن تلك المناضلة من قبل )
ثم اضافت : لقد دخلتهم في غرفة الولادة ثم ذهبت لأغسل الأرض من الدماء فورا ربما قد تصل العناصر قريبا ، بعدها عدتُ مسرعة لتضميد جروح المصابين ، بعد الانتهاء من ذلك طمأنتهم بأنهم في أمان الان و سوف استدعي لهم اسعاف فقال احدهم معارضا ان ذلك يشكل لهم خطورة قلت : لا تقلق ، لدي معرفة من سائقي الإسعاف انه لا يأتي بكم المشفى بل يقلكم إلى حيث تريدون وبعد مرور دقائق من الاتصال وصلت سيارة الإسعاف ومن باب الاحتياط دخلت إلى ساحة المنزل تماما وبعد ما ركبوا جميعا ، اتيت السائق مبلغ مغري للتأكيد على وصولهم إلى بر الأمان حينها شعرت بانه فرح جدا من ذلك ، ثم ودّعتهم ودعيت لهم بالسلامة " .
بعد ذلك الموقف كانت هذه المناضلة الطبيبة تذهب لمنازل العديد من المصابين بجروح للتضميد او تقديم مساعدات طبية مثل الأدوية والإبر و غيرها مما يلزم المصاب.
كان هذا المختصر المفيد لما قامت به احدى الكحيلات واكيد هنالك تفاصيل أخرى عن مسيرة نضالها قد تذكر لاحقا .
فلابد من القول ان تلك الانسانة المناضلة لم تذكر اي معلومات أخرى عن هوياتهم او عددهم انما قالت : كانوا حقا أبطالا .
رحم الله تلك المناضلة المخلصة الشجاعة حيث توفيت وبشكل مفاجئ عام 2007 .
ونذكر ايضاً على سبيل المثال :
ان في أيام انتفاضة 15 نيسان 2005 كنا مع العديد من الاقارب نحضر مجلس عزاء لإمرأة قريبة لنا توفيت في ذلك اليوم فكان المنزل مكتظ بالنساء ( تقريبا مئتي امرأة ) حين سمعنا أصوات إطلاق النار ، كان ذلك مثيرا للاستغراب لنا كنساء ؛ فهل يا ترا غيرت القبيلة قانونها لإطلاق الرصاص في مناسبات العزاء !!!؟ فلم نسمع به قبل هذا ! إطلاق رصاص لوفاة امرأة ؟؟؟ انه امراً مستحيلا ، اذا ماذا هناك ؟ ، فهرعت العديد من النساء إلى الشارع بعدما استمرّ ذلك ، حيث واجهن في الجهة المقابلة عددا من رجالهن يسيرون نحوهن بسرعة فقالوا أين تذهبن ؟ ردّت إحداهن ماذا يحدث وماهذا إطلاق النار ، قالوا لا عليكن ، هناك اشتباكات بين عناصر النظام وبعض أبنائنا من الشعب ، فأثار ذلك فيهن شي من الحماس للذهاب ( قد كان ذلك في بادء الأمر من باب الفضول او الخوف على أبنائهن او أقاربهن ) فتحركن نحو جهة الأصوات مرة أخرى بسرعة اكثر نحو إطلاق الرصاص محاولات الوصول إلى حيث وجد التجمع او المظاهرة أنما خانتهن هذه المرة القدرة الجسدية حيث أعادوا بهن إلى المنزل بقوة وأقفلوا الأبواب ، نعم هكذا احالوا بينهن وبين المشاركة و الحضور الواسع في الانتفاضة .
فإنني على يقين فلو لم يمنعوهن هؤلاء الرجال ( أب او زوج او أخ ) لسجلت تلك الكحيلات الأحوازيات ملحمة حضور كانت تذكر في تاريخ واحداث تلك الانتفاضة فكان عددهن يفوق العشرة ثم كانت تلتحق بهن الأخريات ممن كانن في ذلك المجلس وهذا غير النساء المتواجدات في شوارع المنطقة ( السوق او المناسبات المماثلة ) فكان يصبح العدد ليس قليل أبدا لتغيير مسار الانتفاضة .
هذا وإنني على يقين بان هنالك العديد من النسوة مثلهن وربما اكثر حماسا ممن كانت تريد الحضور والمشاركة انما مُنعت بواسطة رجل ما فسّكر بوجهها الأبواب ، فقد أيقنتُ بذلك بعد الأحداث الانتفاضة حين دارت احاديث نسائية عدة عن الموضوع .
نعم إنهم كثيرا ما سكروا أبواب أخرى لحضور النساء وذلك اولاً بسبب مايسمّىٰ " العيب والعار "الذي قد يلحق بالقبيلة إذا تم اعتقالهن .
والسبب الآخر هو قلة الإيمان بقدراتهن في التأثير وقيادة الأمور وتعيين المسار في اي حدث مهما كان حجمه في جميع أمور الحياة .
لذا على مايبدو ان مسيرتنا نحن النساء طويلة حيث علينا اولاً إثبات ان المرأة ذاتيا لا تقلّ عن الرجل قدرة ، بل الإنسان ليس سوى نتاج بيئة ، فحكمت بيئتنا المجتمعية على المرأة الأحوازية ان توضع في هذا المستوى المتدني من حيث المكانة الاجتماعية إلى حدوث "انتفاضة صحوة "عامة ترفعها إلى حيث تستحق .

 

آمنة هاني 19.04.2025