منذ فجر التاريخ، كانت المقاومة والنضال ضد الاحتلال والظلم جزءًا من إرث الشعوب التي عانت من القهر والاستبداد. عبر الأزمان، شهد العالم نضالات شعوب كثيرة ضد قوى احتلال مختلفة، وأبرزت هذه النضالات إرادة شعوب قوية سعت لتحقيق الحرية والكرامة. ومع ذلك، تختلف تجارب الشعوب في مقاومة الظلم، وهو ما يظهر جليًا عند مقارنة نضالات التحرر في الدول المختلفة مع القضية الأحوازية.
نضالات الشعوب: إرادة الحرية والتغيير
تاريخ التحرر مليء بالنماذج الملهمة التي أظهرت صمود الشعوب في مواجهة الاحتلال. ففي مصر، شهدنا مقاومة ضد الاحتلالين الفرنسي والبريطاني. وفي ليبيا، قاد عمر المختار نضالًا شرسًا ضد الاحتلال الإيطالي. أما الجزائر، فقدمت مليون شهيد في سبيل الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي. جنوب أفريقيا واجهت نظام الفصل العنصري بقيادة نيلسون مانديلا، بينما خاض محمد بن عبد الكريم الخطابي في المغرب معارك شرسة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي.
رغم الفارق الكبير في القوة والموارد بين الشعوب المحتلة والقوى المحتلة، كانت الشعوب دائمًا على ثقة بقدرتها على تحقيق النصر. هذا الإيمان العميق بعدالة القضية وحقهم في الحرية دفعهم للاستمرار، ونجحوا في النهاية في نيل استقلالهم.
القضية الأحوازية: نضال ضد الاستيطان والقمع
القضية الأحوازية تحمل طبيعة مختلفة عن النضالات التقليدية ضد الاحتلال. فالأحوازيون لا يواجهون فقط قوة عسكرية محتلة، بل يواجهون استيطانًا منظمًا يهدف إلى اقتلاع هويتهم الثقافية والقومية. منذ احتلال الأحواز عام 1925، تعرضت المنطقة لسياسات قمعية شملت التهجير القسري، تدمير البيئة، التمييز العرقي، والاعتقالات والاعدامات.
إن هذا الاستيطان يشبه إلى حد كبير ما عاناه السكان الأصليون في أمريكا الشمالية، حيث تعرضوا للإبادة والتهجير باسم التفوق الثقافي والحضاري المزعوم. في حالة الأحواز، تتجلى هذه الممارسات في الاعتداء على الهوية الثقافية العربية للشعب الأحوازي، ومحاولات محو تاريخهم ولغتهم.
الجرائم المستمرة: إرهاب ممنهج
منذ احتلال الأحواز، ارتكبت القوى المحتلة العديد من الجرائم ضد السكان العرب. شهدت المنطقة مذابح وحشية في مدن مثل المحمرة ومعشور، حيث تم قتل النساء والأطفال والشيوخ بلا رحمة. هذه الجرائم لا تعكس فقط وحشية الاحتلال، بل تكشف عن عقيدة قائمة على التفوق العرقي والثقافي.
تعتمد القوى المحتلة على نشر ثقافة تحتقر العرب وتعتبرهم أقل قيمة. يتم تدريس هذا الاعتقاد كجزء من العقيدة الثقافية، مما يؤدي إلى تعزيز التمييز والقمع ضد الشعب الأحوازي.
الأمل في النضال المشترك
رغم القمع والاستبداد، يثبت الأحوازيون قدرتهم على الصمود وتعريف العالم بقضيتهم. الحراك الدولي الذي يقوده أبناء الأحواز في الخارج هو نموذج ملهم على أهمية تسليط الضوء على الظلم ومحاولة تحقيق العدالة. إذا تمكن آلاف من الأحوازيين من إيصال صوتهم للعالم، فإن الملايين يمكنهم قلب الموازين إذا اتحدوا وأدركوا قوتهم.
إن الخوف الحقيقي الذي يعيشه المحتل هو من صحوة الأحوازيين ووعيهم بقدرتهم على استعادة حقوقهم. فالقضية الأحوازية ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي مثال عالمي على صراع الحق ضد الباطل، والكرامة ضد الاستعباد.
القضية الأحوازية ليست حالة معزولة، بل هي جزء من النضال البشري العام من أجل الحرية والعدالة. التحديات التي تواجهها الأحواز تحتاج إلى تضامن دولي وجهود مستمرة لتسليط الضوء على الظلم والممارسات الاستعمارية التي تعاني منها. وكما انتصرت الشعوب الأخرى في نضالها، فإن الأمل يبقى دائمًا في إرادة الشعوب لتحقيق حريتها مهما كان الثمن.
رسول حرداني