القَرْقِيعَان في الأحواز: احتفال الطفولة الذي يحمل همَّ الهوية

آذار/مارس 13, 2025 263

في زوايا الاحواز المحتلة واحيائها  الشعبية ، حيث تحاصَرُ الهُويَّة العربية بين مطرقة الاحتلال الإيراني وسندان التغيير الديمغرافي،في السنين الماضية تحوَّل احتفالٌ بسيطٌ مثل "القرقيعان" إلى فعلٍ ثقافي مُقاوِم من قبل الشعب الاحوازي .و في هذا الاحتفال، الذي يجوب فيه ألاطفال الشوارع بأزياءٍ تراثية وهم يرددون الأغاني طلباً للحلوى، لم يعد مجرد طقسٍ للتسلية، بل صار جسراً لعبور الهُويَّة المسلوبة من جيلٍ إلى جيل، في بقعة من الارض يحارب فيها احتلال الإيراني حتى أحلام الأطفال.  

رغم تشابه مظاهر الاحتفال مع الدول الشقيقة من الخليج العربي من تجوال الأطفال، توزيع الحلوى، والأهازيج إلا أن حفل قرقيعان في الأحواز المحتلة يحمل حمولةً مختلفة. فالنشطاء يُعيدون صياغة الأغاني التقليدية والحماسية لتحمل رسائلَ وطنية، مثل تردد أسماء المدن الأحوازية (المحمرة، الفلاحية) أو كلماتٍ عن "الحرية" بلغة عربية مبسطة، الذي تتناسب مع وعي الطفل لان احتفال قرقيعان في الاحواز يختص للأطفال وهكذا يتحول الفلكلور الاحوازي إلى "أدب طفل مقاوم"، تُزرع فيه الهوية عبر الألحان واللعب، بدلاً من الكتب العربية الممنوعة.   

تشير دراسات علم النفس التربوي أن 65% من قيم الطفل وهويتَه تتشكل قبل سن العاشرة وعبر الأنشطة غير الرسمية. وهذا ما يفسر تحويل النشطاء الاحتفال إلى "مدرسة متنقلة"،  

حيث تُنشد الأهازيج والأشعار الاحوازية بلغة احوازية مبسطة، أو قصص مصوَّرة تُحاكي بطولات الأجداد ضد الاحتلال. حتى الألعاب لم تسلم من هذه الاستراتيجية؛ فصناعة الفوانيس أو النقش على الفخار تُعلِّم الأطفال تاريخهم الحرفي العربي، في ظل مناهج إيرانية تُمجِّد التاريخ الفارسي.   

لا يقتصر الأمر على الأغاني، بل يمتد إلى تفاصيل دقيقة: فالحلوى الشعبية التي تُوزَّع  خلال الاحتفال والأزياء التراثية الذي تُحاك يدوياً لتحمل نقوشاً عربية. حتى أن بعض العائلات تُدرِّب أطفالها على ترديد عبارة "أنا عربي" خلال تجوالهم، كتمرين يومي على الانتماء.   

بحسب تقرير لليونيسف (2022)، فإن التعليم القائم على الثقافة المحلية والشعبية يزيد انتماء الأطفال لمجتمعهم بنسبة 40% وهذا ينطبق على الأحواز، حيث تُظهر مقابلات مع أطفال أن 7 من كل 10 يعرفون أن الاحتفال مرتبط بهويتهم العربية، رغم عدم وجوده في المناهج الرسمية.   

وفي ظل هذا التعقيد، تبرز مفارقةٌ مثيرة: فبينما تُجبر إيران المدارس على تعليق صور المرشد خامنئي، يُعلِّم الآباء الأحوازيون أطفالهم أن "القرقيعان هو يومنا الوطني"، عبر حكايات تُروى بين طيات الفرح.   

سلط النشطاء الاحوازيين التركيز على الطفل ليس من باب الاختيار العاطفي ، بل حساباً دقيقاً للبقاء،لان الأطفال هم الذاكرة الحية والطفل الذي يغنّي للقرقيعان اليوم سيُعلِّمه لأبنائه غداً، مما يضمن بقاء الهوية عاماً بعد عام .لا ننسا ان الطفل درعٌ ضد التهميش وصور الأطفال بالأزياء العربية تصل إلى المنظمات الدولية، وتُحرج النظام الإيراني أكثر من الخطابات السياسية.  

يقول المفكر إدوارد سعيد: «الثقافة هي ذاكرة المقموعين»وفي الأحواز، يصير الأطفال حراساً لهذه الذاكرة، يحملونها في أكياس حلوى القرقيعان، وأغانيهم البريئة.   

تُعتبر الأحواز حالة فريدة في تحويل الاحتفالات إلى أدوات مقاومة. ففي إقليم الباسك الإسباني، تحوَّلت الرقصات الشعبية إلى مناهج مدرسية لمواجهة طمس الهوية. وفي فلسطين، يُحوِّل الأطفال "يوم الأرض" إلى رسومات عن القرى المهجرة. لكن الأحواز يتميزون بغياب أي دعمٍ رسمي، حيث الاعتماد كلياً على الإرادة الذاتية.   

القرقيعان في الأحواز ليس مجرد كيسٍ من الحلويات، بل حقيبةٌ تحمل بداخلها لغتنا، تاريخنا، وحلمنا بالحرية. إنه احتفالٌ يختزل معنى المقاومة الثقافية: فبينما تحاول إيران طمس الهوية العربية، يصنع الأطفال في الاحواز ببراءتهم ذالك العالم الموازي، حيث تُغنّي الجدات والأمهات حكايات الاحواز المحتلة، وتُصمِّم الأمهات أزياءً تحمل أسرار الانتماء.   

الدرس الأهم الذي فلابد ان نتعلمه كلنا ، هو أن الهوية الأحوازية لا تُورث عبر الوثائق، بل عبر المناهج التربوية بل اخص الأطفال من خلال اللعب، الأغاني، والقصص التي تُحكى قبل النوم.  

بل اخير ،ففي أحلام أطفال الأحواز، اصبح القرقيعان يوماً وطنياً، ليس لأن نظام الاحتلال الإيراني وافق، بل لأنهم قرروا بأكياس حلواهم الصغيرة أن يمنحوه هذا المعنى. 

كريم حبيب الاحوازي