شهدنا في الأعوام الأخيرة،حالات نفسية خطرة عند المعتقلين بعد إفراجهم من قبضة مخابرات الاحتلال الايراني وهيّا زياده نسبة الانتحار بل اخص عند أولئك الذين أُطْلِق سراحهم مقابل كفالات مالية باهظة الثمن .
والسؤال الذي يطرح نفسة عند الباحثين والمختصين لماذا كثرت هذا الحالة الغريبة وكيف يلجأ كثير من المعتقلين إلى الانتحار بعد استعادة حريتهم؟
الإجابة عن هذا السؤال وهذا الحالة الغريبة تكون كلاتي وهو ،الواقع المرير والآليات القاسية التي استخدمت داخل زنازين مخابرات الاحتلال الإيراني عند الاستجواب تترك آثاراً مدمرة على الصحة النفسية والجسدية عندالمعتقل ، وهذا الأمر الحقيقي الذي يدفع للتساؤل ماهو الثمن الحقيقي للحرية؟
تشكل الزنازين الانفرادية وظروف الاعتقال القاسية والوحشية اجواء مخيفة لنشوء وتفاقم الضغوط النفسية والصحية على المعتقلين،العزلة الطويلة في غرف صغيرة ومظلمة، والحرمان من التواصل مع العالم الخارجي ، تجاهل والغموض وعدم المعرفة بشأن المستقبل، تؤدي كل هذا الأمور والعوامل إلى شعور المعتقلين باليأس والعجز، وهو ما ينبغي فهمه ومعالجته بجدية بعد الافراج!
لا يقتصر الأمر بلضغط النفسي والفكري فقط ، بل يتعداه إلى تعرض المعتقلين لأشكال متعددة من التعذيب الجسدي الممنهج من اجل كسر شوكت المعتقل وكسر مقاومته عند الاستجواب ، هذه الممارسة والأفعال تترك جروحاً نفسية عميقة عند المعتقل وتجعله من الصعب إعادة التكيف مع الحياة الطبيعية والجديدة بعد الإفراج .
أنا(كريم حبيب الأحوازي) شخصياً من خلال تجربتي ورحلتي الغامضة داخل أروقة سجون مخابرات الاحتلال الايراني المضلمة والضيقة في زنازين المنفردة اختبرت معنى الألم الحقيقي بأعمق أشكاله، ليس فقط على المستوى الجسدي والفكري بل أيضاً حتي على الصعيد النفسي . التعذيب الممنهج والمخيف والمؤلم الذي مورس عليّ من قبل المخابرات لم يكن ليدمر جسدي فقط ،بل استهدف ذاكرتي وهويتي الشخصية، مما أدى إلى فقداني ذاكرتي وعدم قدرتي على التركيز وتذكر حتي أقرب الناس إلي، والدتي وإخوتي لكن رغم شدة التعذيب، ظل وجه والدي وابني "شرهان"محفوراً في ذاكرتي.
شهدت الاختلاف في معاملة المعتقلين الأحوازيين داخل سجون المخابرات عن باقي المعتقلين الذي ينتمون إلى أفكار وتيارات أخرى ، حيث تتبع السلطات والاستخبارات أساليب معينة لكسر الإرادة وشوكة الأحوازيين والتقليل من شأن قضيتهم بلسب والشتم وبل أقوال المتكررة بعدم وجود اي قضية احوازية .
يتخذ المحققون هذا النهج المتبع والأسلوب بوضوح ،بنية لإضعاف روح المقاومة وكسر الإرادة لدى المعتقلين الأحوازيين، مما يخلق فجوة واختلاف كبيرة بين معاملتهم ومعاملة باقي المعتقلين.حيث يتم معاملة باقي المعتقلين بطرق أقل قسوة وأقل تعذيب .
يُطلب منهم كتابة مجرد "توبة نامه" ومن ثم الانخراط في نشاطات جماعية كصلاة الجماعة والمشاركة في دعاي"كميل"داخل المخابرات وزيارات يومية لشخص معمم والتحدث معاه في اطار المذهب "الصفوي"لإظهار استسلامهم. هذا الاختلاف الواضح في المعاملة و الأسلوب يبين التمييز الواضح ضد المعتقل الأحوازي مع باقي المعتقلين، ويسلط الضوء على الازدواجية في المعاملة داخل السجون وزنازين مخابرات الاحتلال الإيراني.
التجارب القاسية التي يمرون بها المعتقلون الأحوازيون داخل زنازين المخابرات لا تُحرمهم من حريتهم فقط، بل حتي من حقوقهم الأساسية كبشر. تساهم هذه العزلة الطويلة في قرف الضيقة والمظلمة ومكبرات الصوت داخل هذا الغرف الذي تنقل فقط صوت التعذيب سوي مسجل وسوي مباشر من باقي قرف التعذيب في الشعور بفقدان الكرامة والانفصال عن الذات، مما يعقّد من عملية الشفاء النفسي والفكري والروحي بعد الإفراج.
إضافة إلى ماسبق وذكرت ان الإفراج عن المعتقلين مقابل كفالات مالية باهظة الثمن أيضاً يضيف عبئاً نفسياً ومادياً كبيراً عليهم وعلى عوائلهم ،هذا الدين والرهن المالي المفروض كشرط أساسي للافراج علي المعتقل يزيد من الضغوط المعيشية والنفسية، ويعطي الشعور بالعجز والقلق المادي بدلاً من الراحة والأمان بعد الإفراج.
المعتقلون السياسيون الذي يفرج عنهم أيضاً يواجهون تحدي وصمة العار الاجتماعية!! بحيث يتم مقاطعتهم إجتماعياً من قبل بعض أفراد عوايلهم واصدقائهم بسبب الخوف والمعاقبة من قبل سلطات الاحتلال ،علي مستقبلهم بسبب الضعف في شخصيتهم ووعيهم السياسي والذي لا اساس لة و أيضاً الصعوبات المادية بعد الإفراج و النظرة السلبية من بعض أفراد المجتمع وصعوبات بإيجاد عمل تزيد الشعور بالعزلة اكثر بأكثر، وتعيق عملية الاندماج الناجح في المجتمع مرة ثانية.
يأتي نقص الدعم النفسي والاجتماعي بعد الافراج كأحد أهم العوائق والمشاكل التي تواجه المعتقلين الأحوازيين في طريقهم نحو التعافي والاندماج لان المعتقل بعد الإفراج من سجون المخابرات يخرج من عالم ثاني ويدخل إلا عالم آخر .
مصير الكثير من المعتقلين الأحوازيين والسجناء في خارطة إيران السياسية المزيفة بعد الإفراج يتطلب إلى تغيير أساسي وفي الصميم في كيفية التعامل مع كل ما عانوه مسبقاً وتوفير الدعم اللازم لهم من النفسي والاجتماعي والمادي ،ويجب أن يكون هذا الامر في صميم الجهود الواجبة والرامية لهم.
في الختام التوجه نحو الأمل والعمل للمعتقلين السابقين ،يتطلب التعافي من آثار الاحتجاز والتعذيب وجهوداً مشتركة من المجتمع والمؤسسات والأهل والأصدقاء التي يمكنهم توفير الدعم اللازم لهم ومن الضروري تكثيف واتساع شبكات وجهود الدعم لضمان إعادة اندماج هذا الأفراد بنجاح في المجتمع. خطة شاملة تشمل التأهيل النفسي والمساعدة المادية يمكن أن تقدم أملاً جديداً لهؤلاء الأفراد، حتي يتمكنوا من تجاوز كل التجارب الأليمة والقاسية الذي عاشوها وبناء مستقبل مزدهر ومشرق.
مايو 2024