أن يوم 13 يونيو من كل سنة ، لم يمر كباقي الأيام على الأحوازيين ، أنه يوم وطني خالص و بامتياز ، أنه يوم الذكرى السنوية لاستشهاد أبناء الوطن ، في الأحواز المحتلة ، و عند الحديث عن مكانة الشهيد ، من الطبيعي اذا قلنا هو ذلك الانسان الذي و قبل استشهاده ، يصل إلى أعلى مراتب من الصدق و الإخلاص ، مؤمنا بقضية شعبه ، ايمانا مطلقا ، فنجده يختلف اختلافا نوعيا و فكريا و سلوكيا ، عن باقي أفراد المجتمع الذي ولد فيه و ترعرع بين أبناء شعبه و قضى مراحل عمره في تلقي الثقافة المجتمعية ، التي هي في الأصل مأخوذة و مكتسبة من التاريخ الحضاري و حصيلته عبر آلاف السنين ، تلك الحضارة التي ينحدر منها شعبه ، و تلقائيا و من خلال احتكاكه و علاقاته اليومية مع أبناء جلدته ، و مشاركتهم ظروفهم الحلوة و المرة و اكتسابه للتجربة التي تساعده في فهم و إدراك ما تحيط بهم من صعوبات و معاناة التي تضيق عليهم الحياة ، و هي بالأساس نتاج سياسة المستعمر الأجنبي أي بالأحرى المحتل الايراني ، الذي لا يكترث إلى الشرائع السماوية و القوانين و المقررات الأممية ، و تعامله اللا إنساني مع أبناء الأرض و ارتكابه شتى أنواع الجرائم و الممارسات و المظالم بكل أشكالها .
كل هذه العوامل تجتمع ، حتى تأثر عليه تأثيرا مباشر و تجعل منه إنسانا مختلفا ، بحيث يبدأ بالنظر إلى كل جوانب معيشة شعبه و مرارتها و أسبابها التعسفية ، و القيود الاستبدادية ، تلك التي فرضت على أبنائه بقوة السلاح و الإجبار ، حتى كبلت كل نواحي أمورهم الحياتية و جعلتها شبه الجحيم ، و امتلاكه هذه النظرة الخاصة ، الثاقبة و العميقة و الواسعة ، تأخذ به إلى النقطة التي لا عودة و لا تراجع فيها ، وصولا إلى مستوى من التفكير المنطقي و العقلاني ، يتحرر بها من الذات ، كليا ، و يعمل و بشكل دؤوب مع أقرانه من المناضلين و الثوار على نمط معين من العمل ، حاملين على كاهلهم ما تعاهدوا مع شعبهم و أنفسهم ، محاولين كسر حلقات السلاسل العبودية و هزيمة عدوهم بشتى الطرق و الوسائل المتاحة لديهم ، مصممين السير في هذا الدرب ، ثابتين على مواقفهم المبدئية اتجاه الوطن و القيام بالفعل المقاوم ، متيقنين من نتائجه و هي إما النصر أو الشهادة .
كل ما تم ذكره آنفا ، لم يوفي بمقام الشهيد و الشهداء ، و لابد من الذكر ، أن مهما يُكتب عن منزلة هؤلاء فدائيو و قامات الوطن ، يبقى محصور في بضع من الكلمات و الجمل ، و لهذا قدمنا نبذة مختصرة عن صفات و خصال شهداءنا الثلاث ، قياديو الثورة الأحوازية في الستينات من القرن الماضي ، محي الدين الناصر و دهراب شميل الناصر و عيسى مذخور ، و من كانوا يعملون معهم من أبناء الوطن و من سبقوهم في هذا المعترك و الذين انضموا إلى مسيرتهم ، لاحقا ، حاملين أفكارهم الوطنية ، عبر المراحل الزمنية ، و حضروا في ساحة الوطن ، رافعين رايته ، عهدا للأمانة التي أودعت لديهم من قبل الشهداء القياديين ، اولئك الذين كانوا يمثلون الصوت المدوي للشعب الأحوازي و في ذات الوقت كانوا بمثابة الكابوس اليومي للنظام الشاهنشاهي و أجهزته القمعية ، و الذين تم اعتقالهم و صدر في حقهم حكم الاعدام الجائر و نفذ ذلك في تاريخ 13 من شهر يونيو في سنة 1964 ، و ارتقوا إلى جنات الخلد مع الشهداء من أبناء أمتهم العريقة ، تاركين ورائهم إرثا شعبيا في العمل الثوري و مدرسة للنضال بأبعادها على كل المستويات ، و على ضوء ما قاموا به من أفعال بطولية ، عبر مسيرتهم الكفاحية ، بقوا و سيبقون أحياء في الذاكرة الجمعية لأبناء شعبهم الصامد و ليومنا هذا و للمستقبل ، و نرى أن أبناء جلدتهم من الأحوازيين ، يتذكروا ما قدموا هؤلاء الأشاوس لوطنهم الأم ، من تضحيات كبيرة ، فداء للوطن و الشعب ، و لهذا ، في كل سنة لمثل هذا اليوم التاريخي ، يحيون ذكرى استشهادهم ، في داخل الوطن و خارجه ، و الذي سمي بيوم الشهيد الأحوازي ، و نستطيع القول ، أن هذا اليوم الوطني ، يعم و يضم في طياته ، و من حيث المبدأ ، ذكرى جميع الشهداء الذين استشهدوا من أجل تراب الوطن ، من كل الفئات العمرية و شرائح المجتمع الاحوازي ، دون أن ينسى أحدهم ، عبر مراحل التاريخ الأحوازي الحديث .
من الواجب علينا و من باب التذكير ، ايضا ، لابد ان نشير إلى موضوع أو نقطة ، هامتان و هما ، أنه عندما ينادي الوطن ، أبناءه ، عندها يلبون النداء دون أي ترديد و تأخير ، و هذا ما شاهدناه في عدة ملاحم وطنية في السنوات الأخيرة ، أثناء الانتفاضات الشعبية و الوطنية ، و نذكر منها على سبيل المثال ، انتفاضة العطش و الكرامة و الوقود و انتفاضة تموز الباسلة ، و التي جوبهت بالرصاص الحي و القمع الوحشي و كانت النتيجة المئات من الشهداء و الآلاف من الجرحى و المعتقلين ، و رأينا الفزعة الشعبية و الالتحام الجماهيري في أزمة السيول المفتعلة ، و أنها كانت خلاصة هذا الشعور و الالتزام و الحس و الروح الوطنية لدى أبناء الوطن المخلصين ، هؤلاء الذين سجلوا أرقى صور الإخلاص للوطن و من أجل حريته و كرامته ، و التي ستبقى حاضرة في ضمائر أبناء الأحواز الغيارى و معهم كل شرفاء و الأحرار في كل أصقاع المعمورة .
كامل ناصر الأحوازي
13 يونيو 2024