الشعب الأحوازي و المفاعيل القانونية لحق تقرير المصير الخارجي (٢),في إطار إشكالية مبدأ السلامة الإقليمية للدول في القانون الدولي

أيلول/سبتمبر 18, 2021 754

مقدمة

  

ركزت الدراسة الاولى  على مسألة حق تقرير المصير الداخلي أو الانفصال، باعتبارها محاولة من الدول لتقييد الحقوق المشروعة لبعض الاحتلالات الواقعة تاريخياً خصوصاً في الشرق الأوسط حيث تتقاطع مصالح الكثير من الدول العظمى مع الدول المحتلة، مثل إيران التي تحتل الأحواز، والجزر الإمارانية.

وأما في الدراسة الحالية يتم التركيز على حق تقرير المصير من زاوية القانون الدولي. يُعد حق تقرير المصير أحد الحقوق المتأصلة في فقه القانون الدولي، كمبدأ يعطي شعب ما بممارسة سيادته على إقليمه وحكم نفسه وأرضه. استناداً إلى الحق في التحرر والاستقلال  من السلطة الأجنبية، التي تعمل على فرض نظم وقواعد إدارية وقانونية لا تمت للشعب المحكوم بصلة، وتستعين بمؤسساتها وقواعدها القانونية على الأرض والسكان القاطنين بها،  كنتاج لفرض ثقافة أجنبية على الشعب مما يخلق نوعًا من عدم الرضا، ما يثير الرغبة لدى الشعب المحتل في المقاومة (١).

 ويعبر حق تقرير المصير عن رغبة أي شعب في تقرير مصيره، وتحقيق ذاته كحق إنساني غير قابل للمقايضة أو التخلي، بحيث يحدد كيفية إدارة الشأن العام وسبل الحكم، أو تقرير وسائل الاندماج في كيان آخر قائم، أو كيان موازٍ يقوم مع ذلك الإقليم في ذات الوقت بحيث يشكِّل الاثنان كيانًا مستقلًّا، أو الاستقلال عن الدولة القائمة. بل ويتجاوز حق تقرير المصير، فكرة حق الشعوب المضطهدة، التي تعاني من ويلات التهميش على أرضها، سواء كان التهميش سياسيًّا أم اقتصاديًّا أم إقصاء ثقافيًّا أو دينيًّا أو مذهبيًّا.

ينسب الفقه القانوني حق تقرير المصير إلى ” إعلان استقلال الولايات الأميركية عام ١٧٧٦” ، وترسَّخ في موقف وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية عام ١٧٨٩، ثم تمت قوننته كحق أصيل وفق المادة  ٥٥ من ميثاق الأمم المتحدة، الذي نصّ في المادة الثانية منه على “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام” (٢).

أولاً- احتلال الأحواز وحق الشعب الأحوازي في تقرير المصير استناداً  للقانون الدولي:

  انتشرت دعوات حق تقرير المصير في إطار الدعوات إلى إنهاء وتصفية الإستعمار. فتقرير المصير نابع  من معطيات تاريخية وسياسية لإقليم خاضع للاحتلال أو الاستعمار، أو إدارة سلطة أجنبية دون رضا شعب تلك الأرض أو الإقليم غير المتمتع بأي صيغة تعطيه حقوقاً داخلية في إطار الحكم الذاتي، الأمر الذي يقرر لهذا الشعب الحق في المقاومة والكفاح المسلَّح في مواجهة الإقصاء السياسي والاقتصادي والهيمنة الثقافية، وبالتالي عدم قدرة هذا الشعب على إدارة شؤون بلاده، أو السيطرة على أراضه وتنمية تراثه الثقافي والاجتماعي من أجل توفير بيئة صالحة لتنشئة هوية قومية أو غير ذلك. إذ يقوم المستعمر الأجنبي، ذو السلطة الفعلية، بتقييد بإلغاء حق ذلك الشعب في بلورة هويته أو ممارسة معتقداته، أو استقلاله الاجتماعي والاقتصادي، ما يحول دون تطوره السياسي وللاقتصادي، الحال الذي تتولد عنه حالة من الحرمان والتهميش، الذي يشرعن الحق في التعبير عن مظلوميته التي تبدأ من التعبير عن الاحتجاج بشكل سلمي، قبل أن تتدرج في إطارها القانوني إلى استعمال الحق في العنف المشروع والكفاح المسلَّح.

  • مقومات الشعب الأحوازي في إطار حق تقرير المصير في القانون الدولي:

 يشكل مصطلح تقرير المصير، أحد الوسائل السياسية والقانونية، التي تعطي مجموعة إثنية أو جغرافية، الحق في التعبير عن ذاتها، في إطار إيجاد السبل الكفيلة لحل قضاياها الوطنية الراهنة، استناداً لحقوقها التاريخية، وحقها في تقرير مصيرها. بدءاَ من البدء بالحوار المباشر مع سلطة الاحتلال، أو دفع هذه السلطة إما باللجوء إلى الشعب ليقرر مصيره  كمرحلة أولى، وإلا فإنّ المطالبة بالاستقلال ، وإقامة دولة مستقلة، ستكون الملاذ الأخير لهذا الشعب لكي يقرر مصيره.

يتحدد الوضع القانوني لإقليم الأحواز في إطار الحق في تقرير المصير، من خلال امتلاك هذا الشعب لجميع الشروط التي وضعتها مبادئ وقواعد القانون الدولي. وسنضع في إطار ذلك الاشتراطات التي وضعها القانون الدولي، يقابلها القرينة القانونية للحالة الأحوازية:

  • الشرط الأول: وجود سكان في إقليم ما محدد جغرافياً، وخاضعاً لسلطة أجنبية: ويعني وجود سلطة أجنبية، وجود سيادة مستلبة لسكان هذا الإقليم، ويضع هذا الشرط في أولوياته أن تكون هناك سلطة مسيطرة على هذا الإقليم مختلفة عن الشعب المقيم به في الهوية والثقافة والتركيب السياسي، بما يعطي قرينة قانونية لوضع حد على ممارسات المحتل كالكبت السياسي، والاستبداد العنصري، والتهميش الهوياتي، الإثني، أو اللغوي، أو الديني، أو المذهبي.
  • القرينة القانونية المادية: وتساندها في هذا الخصوص تاريخ الأحواز قبل الاعتراف بفكرة الدولة المعاصرة بعد مؤنمر وستفاليا ١٦٤٨، الذي يحدد الوضع القانوني للسيادة الأحوازية، التي تبدت سياسياً قبل معاهدة قصر شيرين ١٦٣٩، أبان الدولة المشعشعية في الأحواز عام ١٤٣٦، وقبل أن تتأسس الدولة الصفوية سنة ١٥٠١ على يد إسماعيل الصفوي ، حيث أجبرت الدولة المشعشعية الأحوازية الوالي العثماني فِي بغداد على الاعتراف باستقلال الأحواز، والبصرة، و واسط تحت حكمه، متخذاً من مدينة الحويزة عاصمة لدولته. وقد تجلت القرائن القانونية المادية تجلت القرائن المادية أبان تلك المرحلة بسك النقود، و العلاقات الدبلوماسية، والتسمية التي حملت اسم” الدولة المشعشعية العربية”، مايشير إلى استقلالها عروبتها بعيداً عن نزعات التوسع الامبراطوري العثماني والصفوي، واستطاعت في مراحل لاحقة من فرض سيطرتهها على كافة إقليم الأحواز وطرد الجيش الصفوي الفارسي من مدن الأحواز كلها3. وعلى المناطق المجاورة لها، في الوقت الذي لم يكن أي وجود سياسي للدولة الصفوية حينها.

– الشرط الثاني- استحالة العيش المشترك : بسبب اضطهاد السلطة الأجنبية المحتلة للسكان المحليين، ومعاناتهم من التهميش و الاضطهاد بسبب التمييز على أساس عرقي أو ثقافي أو ديني أو مذهبي.

–  القرينة القانونية المادية للشعب الأحوازي: بالنظر إلى الحالة الأحوازية، لا يشكل الشعب الأحوازي أقلية، قياساً بتكوينات المجتمع الإيراني وشكل الدولة الإيرانية، التي يمكن وصفها بأنها مجموعات من الشعوب المتجاورة، والمتمايزة في الثقافة و الإثنية، والعادات، والتاريخ، والجغرافيا. فتكوين الدولة الإيرانية الحديثة، جعل من هذه الشعوب، أشبه بالأقليات أو الجماعات المهمشة والمعزولة عن ثقافة الدولة الإيرانية، بل ومحرومة من أبسط حقوق الشعب أو الأقليات أو السكان الأصليين، من تدريس للغة الأم، أو ممارسة الحقوق السياسية.

– الشرط الثالث – توفر الإرادة لدى شعب الإقليم لنيل الاستقلال من الحكم الأجنبي أو المحتل.

– القرينة القانونية المادية للشعب الأحوازي: ويمثلها سيرورة الحراك الثوري التاريخي للشعب الأحوازي، و الرغبة الجماهيرية التي عكستها الثورات والانتفاضات الأحوازية، التي لم تنقطع، ما يعطي دليلاً قانونياً على حق الأحوازيين في تقرير مصيرهم، وبما يؤكد تأكيد فكرة ” الاحتلال الإيراني” وتجاهل حق الأحوازيين في تحرير بلادهم، كحق متأصل في فقه القانون الدولي. وفي هذا الخصوص، سنمر سريعاً للتذكير بهذه الثورات والانتفاضات، التي تحقق شرط توفر الإرادة لدى شعب الإقليم و يمكننا أن نستذكر من هذه الثورات، ثورة الحويزة في عام ١٩٢٨، وثورة بني طرف عام ١٩٣٦،  وثورة حيدر بن طلال عام ١٩٤٠،  وثورة الغجرية عام ١٩٤٣، وحركة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل عام ١٩٤٤، وثورة بني طرف وبني كنانة عام ١٩٤٥، وثورة الشيخ مذخور الكعبي عام ١٩٤٦،  وثورة عشيرة النصار ١٩٤٦ ، وثورة الشيخ يونس العاصي عام ١٩٤٩، رافق ذلك استمراراً  للحراك السياسي لم ينقطع بالتوازي مع الحراك الثوري منذ العام ١٩٤٦ وتأسيس حزب السعادة، وبروز المنظمات والحركات الثورية التي أخذت عاتقها مقاومة مثل “حركة التحرير الوطني الأحوازي”، و”الجبهة العربية لتحرير الأحواز”، وغيرها العديد من المنظمات الثورية الأخرى التي تأثرت بحركات التحرر العربية.

2–  حق تقرير المصير في إطار والعهد الدولي لحقوق الإنسان، و قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:

نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٤٢١ الصادر في ٤/ كانون الأول/١٩٥٠ طلبت الجمعية العامة من لجنة حقوق الإنسان، أن تضع توصيات حول الطرق والوسائل التي تضمن حق تقرير المصير للشعوب، كما نصت في قرارها رقم ٥٤٥  الصادر في ٥/ شباط/١٩٥٢، على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مادة خاصة تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها. ثم أصدرتْ قرارها رقم ٦٣٧  في ١٦/كانون الثاني/١٩٥٢ ، الذي جعلت بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها، شرطاً ضروريًا للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها (٤)، وأنهُ يتوجب على كل عضو في الأمم المتحدة الاحترام والمحافظة على حق تقرير المصير للأمم الأخـرى.

 وبالتالي، فقد نتج حق تقرير المصير عن إجماع دولي ، كحق متاح لجميع الشعوب، وهو ما نصت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في المادة ٢ من القرار رقم ١٥١٤ بقولها: ” لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد مركزها السياسي، وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي” (٥).  كما نصت المادة الأولى من القرار ذاته على ” أن إنكار حق الشعوب في تقرير المصير هو إنكار لحق أساسي”  ولم تقل  لمبدأ من المبادئ، لذا فإن الحق في تقرير المصير يعد حقًّا من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يمكن النيل منها أو التعرض عليها، وبالتالي فإن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين” (٦).

 وقد نص العهد الدولي لحقوق الإنسان بشكل صريح مبدأ تقرير المصير، من خلال إعطاء هذا الحق عبر حقوق الإنسان الطبيعية، كحق من الحقوق السياسية والمدنية الأساسية للشعوب بما فيها الحق بملكية ثرواتها وأرضها، حيث تضمَّن أيضاً شروطاً لوجوب تطبيق حق تقرير المصير على أي شعب، وهو ما تضمنته المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بشأن شروط حق تقرير المصير ومنها وجود شعب غير منسجم ثقافيًّا وإثنيًّا، ووجود شعب في إقليم محدد يسكنه المطالبون بحق تقرير المصير، وأنًّ يقوم هذا الشعب بالمطالبة بحق تقرير المصير، و جعله شعارًا ومطلبًا لها على أنه وسيلة للتحرر من الاحتلال.

  ولابد من الإشارة، إنّ حق تقرير المصير، يختلف عن الاستفتاء الذي يستهدف الاستقلال عن الدولة القائمة فالاستفتاء من أجل للاستقلال يتم تحت رقابة دولية عبر الأمم المتحدة، فإشراف الأمم المتحدة، رغم عدم إلزاميته، يظل خيارًا يُسرِّع من فرص الاعتراف الدولي وفقًا لقرار الجمعية العامة رقم ٦٣٧ الصادر في ١٦ ديسمبر/كانون الأول لعام ١٩٥٢، الذي نص: ” كمبدأ عالمي، فإن التوصل إلى رغبات الشعوب التي تريد تقرير مصيرها، يتم بواسطة الاستفتاء أو أية وسيلة من وسائل الديمقراطية الأخرى المعترف بها دوليًا، ويُفضَّل أن تتم ممارسته تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة” (٧).

  ثانياً – بدائل حق تقرير المصير، وصعوبات تطبيقه:

تتراوح المطالبة أو ممارسة حق تقرير المصير – حسب الحالة الراهنة- بين الطرق السلمية، أو الحالة التي تشرعن للشعب اللجوء للعنف المشروع أو المقاومة، وذلك في حال فشل تمكين الشعوب من التعبير عن رغباتها بالوسائل الديمقراطية. وعلى هذا الأساس، فقد توسعت – قانونيًّا- آليات تقرير المصير لتشمل حقوق الإنسان، والشعوب المضطهدة التي تطمح لتقرير مصيرها، حتى ولو لم تكن بخلفية احتلالية، إذ لكل شعب حق مطلق وثابت في تقرير مصيره، وله أن يحدد بحرية وضعه السياسي، وأن يكفل تنميته الاقتصادية والاجتماعية على النحو الذي يختار بمحض إرادته. تماماً كما للشعوب المستعمَرة الحق في التحرر، باللجوء إلى كافة الوسائل التي يعترف بها المجتمع” (٨).

  • حق تقرير المصير وثنائية العنف المشروع والعنف المفرط من السلطة الاحتلالية: أصبحت الكثير الدول تجنح نحو قناعات تتعلق بتداعيات حق تقرير المصير في حال وصوله إلى مرحلة الكفاح المسلح المشروع، خصوصاً بسبب منعكسات ذلك على الشعب ذاته، يقابله استعمال العنف المفرط من السلطات الاحتلالية. وبالتالي أصبح بعض فقه القانون الدولي، يرى أن استمرار أعمال الكفاح المسلح بشكل عام أصبح يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وبالتالي تعالت الأصوات نحو إيجاد الحلول السلمية، التي تعتبر صميم اختصاص الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، من أجل إنهاء الصراعات الاثنية بما يتماشى مع المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة. قابله رد تقرير لجنة خبراء القانون الدولي حول مسألة العنف الذي يصاحب المطالبة بتقرير المصير بأنه “في أغلب الأحيان ليس تأكيد الحق في تقرير المصير من قبل الشعوب المضطهدة هو الذي يقود إلى العنف، بل رفض سلطات الدولة هو الذي يقود إلى نشوب أعمال النزاع المسلح”(٩). لقد تحول حق تقرير المصير تطور إلى وسيلة، يستعملها البعض من أجل تحقيق غايات خاصة، او تصفية حسابات شخصية باسم الدول والأمم ، وباسم حقوق الإنسان . فأصبحت المصطلحات أقوى من العلاقات وواقع الحال والمصالح العليا لكثير من الأمم والشعوب، فارتباط حق تقرير المصير بالحقبة الاستعمارية هو حقيقة علمية لا يمكن التغاضي عنها في القانون الدولي، وبذلك شكل حقا ثابتاً لا يقبل النفي أو الإنكار، ومع تطور مفاهيم حقوق الإنسان في المواثيق والمعاهدات الدولية بفعل التطورات الدولية وبروز الصراعات العرقية والإثنية، وظهور مصطلحات الأقليات والهويات، التي اتخذت أبعاداً يمكن اعتبارها في كثير من الأحيان أبعاداً كيدية، غالباً ما تأخذ غاية مؤداها تفتيت الدول، وتقسيم المقسم، الأمر الذي أصبحت معه ضرورات تحديد حق تقرير المصير، خاصة وأنّ المرحلة المعاصرة، تتسم بالصراعات والنزعات المفتعلة، التي تخفي أبعاداً سياسية لا قانونية (١٠). وهذا ما جعل إرادة القوى العظمى تسري على دول بعينها مثل الحالة السودانية وإندونيسيا، بينما عجزت عن تطبيق حق تقرير المصير في دول أخرى.
  • تداعيات استخدام حق تقرير المصير على الأرض، وصعوبات تطبيقه:

 تكتنف ممارسة تقرير المصير العديد من المصاعب في التنفيذ على الأرض، فعلى الرغم من أن حق تقرير المصير مُشرَّعٌ في ميثاق الأمم المتحدة، وتعترف به كل إعلانات الأمم المتحدة وقواعد العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، فإن قواعد القانون الدولي لا تجد سلطة عليا قادرة على إنفاذها على الأرض.

لقد أظهرت جميع التطورات التي رافقت الحق في تقرير كحق ذو صفة إلزامية يستوجب الاعتراف والتأييد والدعم من جميع الدول. وقد دافع القانون الدولي عن ذلك من خلال عدد من القواعد القانونية المقترنة بالحق في تقرير المصير أو المنبثقة عنه، فتدخل الدول الهادف إلى تأخير ممارسة الشعوب المستعمرة لحقها في تقرير المصير، يعتبر مخالفاً لأحكام القانون الدولي، وتحديداً لميثاق الأمم المتحدة بالدرجة الأولى، في حين يشكل التدخل لمساعدة حركات التحرر الوطني عملاً مقبولاً وقانونياً في أحيان كثيرة، واستناداً لهذا الأمر أيضاً أقدم القانون الدولي على تبرير المقاومة الوطنية ضد الاحتلال إذا ثبت أن القوة القائمة بالاحتلال لا تلتزم القواعد العامة، ولا سيما قواعد اتفاقيات جنيف للعام ١٩٤٩، لحماية المدنيين الواقعين تحت هذا الاحتلال. وأن الحق في تقرير المصير أصبح من القواعد الآمرة التي تفرض إلزاميتها القانونية على جميع الدول من دون حاجة إلى تصديق هذه الدول عليها. وبالتالي فأن أي عمل قانوني تقدم عليه الدول منفردة أو أي اتفاق ثنائي تتفق عليه الدول فيما بينها، يجب أن لا يتعارض مع هذه القواعد الآمرة، أما إذا تعارض معها فان هذا العمل أو التعاقد يصبح عرضة للإبطال الفوري (١١).

خاتمة

ذلك لأن النظام الدولي قائم على المصالح الذاتية للدول، فالمطالب على الأرض تفرضها قوة الدولة التي تفرض ذلك بالقوة، إن تقنين الحق في تقرير المصير كحق أساسي من حقوق الإنسان وفق القانون الدولي يترك الأمر معلقًا وغير قابل للإنفاذ، حيث إن النظام الدولي مازال يغضُّ الطرف عن الاحتلالات واستمرار التنكيل والعنف والتهميش والتمييز. وبالتالي قد يصبح حق تقرير المصير أمرًا صعبًا قياساً بمآلاته غير المحسوبة، في ظل غياب تنظيم دولي قادر على ضبط العلاقة بين المطالبة بحق تقرير المصير والاحتلال. إذ اعتبره الرئيس الأميركي الأسبق، ودرو ولسون، “شكلًا بسيطًا مليئًا بالديناميت” (١٢). وبالرغم من اعتباره حقًّا أساسيًّا ضروريًّا لممارسة الشعوب تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، فإن ممارسته ليست سهلة؛ إذ تتخللها مجموعة كبيرة من الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية، بالإضافة لكون بعض الدول مازالت ترى فيه خرقاً لمبدأ السلامة الإقليمية، الأمر الذي يضع الكثير من الحركات الاستقلالية أمام التكيف والمرونة في استخدام هذا الحق، وتكثيف العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني، الذي يمهد للحظة التاريخية التي يمكن اقتناصها للمطالبة بحق تقرير المصير وتطبيقه.

الهوامش

  1. Sujit Choudhry, Old Imperial Dilemmas and the New Nation- Building: Constitutive Constitutional Politics in Multinational Polities, Berkeley Law Scholarship Repository, Berkeley University, summer 6-1-2005, p. 933
  2. انظر: الفقرة 2 من المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة.
  3. انظر:محمد حسين الزبيدي، إمارة المشعشعيين: أقدم إمارة في عربستان، 1982.
  4. انظر : قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 545 الصادر في 5/ شباط/1952، المتضمن الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  5. انظر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 637  في 16/كانون الثاني/1952. وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، المادة 2 من القرار رقم 1514
  6. اانظر: المادة 1، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتُمد وعُرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة رقم 220000 (د ـ 21) لسنة 1966
  7. Jan Klabbers, The Right to be Taken Seriously: Self-Determination in International Law, paper presented in conference on “Self-determination in Transition”, co-organized by the Islamic University of Yogjakarta and Erasmus University Rotterdam, and to an audience at the University of Lund, p. 4
  8. Report of the International Conference of Experts (1998), p. 10
  9. قرار الجمعية العامة رقم 1514
  10. https://www.maghress.com/tinjah/15015
  11. د. شفيق المصر ي، ” حق تقرير المصير في السياسة والقانون والتطبيق”، بيروت 1997. على الرابط: http://www.ancme.net/studies/16
  1. ROBERT LANSING, THE PEACE NEGOTIATIONS: A PERSONAL NARRATIVE 97 (1921), quoting from a note he had written in Paris, December 1918. Referenced in Jan Klabbers, opcit. p. 1.
  2. المصدر
  3. https://www.dusc.org/ar/drasat/10040/